هل صناعة الانمي لليابانيين فقط؟ رؤية فريدة في صناعة الانمي

لطالما راودني سؤال مفاده: هل صناعة الانمي لليابانيين فقط؟ وهل حقًا لا نستطيع صناعة الانمي بأسلوبهم المميز خارج اليابان؟ خاصة حين أرى الكثير ممن يعشقون هذا الفن مثلي، يريدون صناعته لكنهم يتراجعون بسبب الخوف من المقارنة أو الانتقادات.

مؤخرًا، مررت بفيديو لأحدهم يقول إنه “لا أحد يجب أن يصنع الانمي سوى اليابانيين”، وهنا شعرت بالريبة والرفض، لأنني أؤمن أن صناعة الانمي ليست حكرًا على دولة أو ثقافة واحدة. إذا أحببت هذا الفن وأردت إتقانه بأسلوبك، فلا شيء يمنعك.

جوابي الشخصي لكم ولكل فنان يطمح لدخول هذا المجال: نعم، يمكننا صناعة الانمي. اليابانيون لم يمنعوا أحدًا من استلهام أو تقليد هذا الفن، بل على العكس، لم نسمع يومًا تصريحًا من استديوهات كبرى تمنع الآخرين من صناعة الانمي أو تقليد أسلوبهم.

هل صناعة الانمي لليابانيين فقط؟ رؤية فريدة في صناعة الانمي سمر ارت

السؤال الحقيقي هنا: لماذا يشعر البعض بالضيق من محاولة الآخرين محاكاة هذا الفن وهم أنفسهم ليسوا يابانيين؟ في رأيي، الانمي فن عالمي الآن، تجاوز حدود اليابان ووصل إلى كل منزل وكل دولة، حتى أنه طغى على الكثير من أشكال الكرتون الأمريكي بسبب شخصياته الجذابة وعيونه الواسعة، الشعر الحريري والملامح المثالية التي تخطف القلب.

وفوق ذلك، يمتاز الانمي بأسلوب تحريك فريد من نوعه يميزه عن باقي أنواع الرسوم المتحركة، حيث يكون التركيز على إبراز المشاعر عبر تعابير الوجه، مع تحريك قليل أحيانًا، بدلًا من الحركة المستمرة كما في الكرتون الغربي، وهو ما يضفي عليه تلك اللمسة السينمائية الخاصة.

من خلال متابعتي للعديد من الأعمال، رأيت أن لكل منطقة في العالم لمستها الخاصة في التحريك والرسم، حتى إن لم تكن يابانية. تذكرت عندما شاهدت مسلسل “يولاندا” الأوروبي في فترة المراهقة، وكيف أدركت منذ اللحظة الأولى أنه ليس أمريكيًا أو يابانيًا، بل يتميز بأسلوب رسم بسيط وتحريك مختلف يعكس هويته الثقافية.

هل صناعة الانمي لليابانيين فقط؟ رؤية فريدة في صناعة الانمي سمر ارت

وهنا تكمن النقطة المهمة: نحن لن نصنع نسخة مطابقة للانمي الياباني مهما حاولنا، بل سنبتكر أسلوبنا الخاص الذي يحمل بصمتنا.

الاختلاف هو سر صناعة الانمي الناجح

صحيح أننا نتعلم من صناعة الانمي الياباني، ونستلهم من أسلوبهم في بناء الشخصيات، الخلفيات، أو زوايا التصوير، لكننا سنأتي بنكهتنا الخاصة حين نبدأ الرسم والتحريك بأنفسنا. وسواء كان تحريكنا أسرع، أو شخصياتنا تتحرك أكثر أثناء الكلام كما في الكرتون الأمريكي، أو تعتمد على مشهد ثابت مع حركة محددة كما في الانمي الياباني، فكل ذلك يعكس اختلافنا وإبداعنا.

نحتاج إلى بناء أسلوبنا الخاص في صناعة الانمي، أسلوب يجعل الجمهور يتعرف علينا من أول مشهد، مثلما تتعرف على أعمال استديو جيبلي من لمسة الألوان أو حركة الرياح في أوراق الشجر، أو أعمال ماكوتو شينكاي من انعكاس الضوء والألوان الزاهية.

قد تكون البداية عبر التقليد والدراسة، لكن الهدف الحقيقي أن نطور أسلوبًا يجعل انميشننا مختلفًا ومميزًا.

هل صناعة الانمي لليابانيين فقط؟ رؤية فريدة في صناعة الانمي

الإنتاج العربي ليس مستحيلاً

صناعة الانميشين العربية ليست حلمًا بعيد المنال، بل هي ممكنة وقابلة للتحقيق إذا توفرت العزيمة والوعي بمتطلبات هذه الصناعة، فهي ليست حكرًا على اليابان أو الغرب، بل يمكن تحويلها إلى واقع يخدم ثقافتنا العربية وقيمنا بأسلوب حديث وجذاب. أول الأسباب التي تجعل صناعة الانميشين العربية ممكنة هي توفر التقنيات والبرامج المتقدمة التي أصبحت في متناول الجميع، مثل Toon Boom Harmony و Clip Studio Paint EX، وحتى برامج مفتوحة المصدر تساعد أي فنان أو فريق صغير على إنتاج مقاطع انميشين بجودة مقبولة، مع إمكانيات التحريك السلس وإضافة المؤثرات الصوتية والبصرية بسهولة.

ثانيًا، هناك وفرة كبيرة في المواهب العربية التي تمتلك القدرة على الرسم بأسلوب الانمي، بل إن العديد منهم وصل إلى مستوى احترافي سواء في الرسم الرقمي، أو في التحريك، أو في تصميم الخلفيات والمؤثرات، ومع وجود فرق عمل منظمة يمكن توزيع المهام لتسهيل الإنتاج دون الحاجة إلى ميزانيات ضخمة كما في الأعمال الغربية واليابانية.

ثالثًا، توفر المحتوى القصصي الغني في ثقافتنا العربية، فلدينا الكثير من القصص والأساطير والحكايات الشعبية التي تصلح لتكون أساسًا لانمي عربي مميز، مع إمكانية تقديم قصص حديثة تعالج قضايا الهوية والقيم المجتمعية بشكل جذاب للأطفال والمراهقين، مما يضمن استمرارية العمل وتجدده باستمرار دون الحاجة لنسخ القصص اليابانية أو الأجنبية.

هل صناعة الانمي لليابانيين فقط؟ رؤية فريدة في صناعة الانمي سمر ارت

السبب الرابع هو الوعي المتزايد لدى الجمهور العربي بقيمة الانميشين، حيث أصبحت هناك قاعدة جماهيرية واسعة تعشق الانمي وتتابعه بشغف، وتبحث عن أعمال عربية تنافس الأعمال الأجنبية، وهذا الوعي يفتح الباب لدعم الجمهور للأعمال الجديدة سواء بالمشاهدة أو بالدعم المادي عبر المنصات.

خامسًا، توفر منصات النشر الرقمية والقنوات على اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي فرصة لنشر الأعمال العربية دون الحاجة لتكاليف بث عالية، ويمكن بناء جمهور خاص خلال فترة قصيرة إذا تم تقديم عمل بجودة مقبولة وقصة مشوقة. وأخيرًا، من الأسباب المهمة التي تجعل صناعة الانميشين العربية ممكنة هي القدرة على التعاون بين المبدعين العرب في مختلف المجالات، من كُتاب السيناريو، والمصممين، والمبرمجين، وصنّاع الموسيقى، حيث يمكن إنشاء أعمال متكاملة دون الحاجة إلى استيراد كل شيء من الخارج، مما يعزز الثقة بالنفس ويفتح الباب لبناء صناعة مستقلة للانميشين العربي بأسلوب يلامس ثقافتنا ويشبهنا، ويكون في الوقت نفسه جذابًا عالميًا إذا تم العمل عليه بذكاء وإبداع.


تذكروا، صناعة الانمي ليست أمرًا مستحيلًا خارج اليابان. هناك الكثير من المشاريع الفردية والفرق الصغيرة حول العالم ممن نجحوا في إنتاج أعمال بأسلوب الانمي وحققوا نجاحات كبيرة، من أمريكا إلى كوريا إلى العالم العربي.

أنتم أيضًا تستطيعون ذلك إذا أردتم. الأهم أن تصنعوا ما تحبون وأن تتمسكوا بأسلوبكم الخاص، لأن الفن الحقيقي ينبع من الشغف وليس من الخوف من النقد.

شارك المقالة مع الآخرين
Samar Art
Samar Art

مديرة الموقع ، معلمة رسم أونلاين ، و مشرفة في فريق الانمي ، لدي خبرة في التحريك و الرسم ، و الإشراف، أتشرف بكمّ.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يرجى تعطيل مانع الإعلانات

نرجو منك إيقاف مانع الإعلانات لدعم استمرار موقع samarart.net وتقديم محتوى مجاني لك.

بعد تعطيل مانع الإعلانات، يرجى تحديث الصفحة.