لا تسعني الفرحة وأنا أكتب لكم هذه الكلمات، فقد مضت أكثر من عشر سنوات على تأسيس موقعي المتواضع ” سمر ارت “. لم أتخيل يوماً أن أصل إلى هذا الحد. منذ مراهقتي و أنا شغوفة بمشاركة ما أحب مع الآخرين، فلطالما أسست مواقع ومنتديات صغيرة لأعلِّم الرسم والتحريك في أوائل 2006 وما إلى هنالك. لم أكن ألتزم أو أنجح كثيراً، لأنني كنت صغيرة ولم أمتلك الخبرة الكافية لإنشاء المواقع. كل ما أذكره أنني بدأت على منصة بلوجر المعروفة من جوجل، وكانت تجربة مميزة وأحببت العمل فيها. و هذا رابط مدونتي القديمة سمر ارت من هــنــا
ثم بعد سنوات من الركود ، أنشأت موقعي سمر ارت على ووردبريس، لكنه كان صعباً شيئاً ما، ثم قررت الاستقرار على “ويكس”. لقد نجحت فيه، ونشرت الكثير من الدروس في مدونتي سمر ارت، ثم قررت أن أشتري دومين أو نطاقاً مخصصاً ليبدو موقعي احترافيا. ومن يومها وأنا أكتب الدرس تلو الدرس، وكان موقعي يتصدر البحث عربياً فيما يتعلق بدروس الرسم والأنيميشن. وبعد خمس سنوات على تلك المنصة، قررت أخيراً أن أتقدم خطوة للأمام، وأن أنقل موقعي سمر ارت لمنصة ووردبريس، فقد عقدت العزم على أن أكبر وأصل لجمهور أوسع. و لا أخفيكم أنه أخذ مني مجهوداً كبيراً لأنقل كل درس من مدونتي سمر ارت من “ويكس” إلى ووردبريس، لأن تلك المنصة القديمة كانت جِدُّ بطيئة، بالإضافة إلى أمور أخرى جعلتني أفعل ذلك.

بداياتي مع الرسم في الإبتدائية
أول من اكتشف موهبتي في الرسم كانت معلمتي في الصف الأول، وأذكر حينها أنها طلبت منا أن نرسم ثلاث تفاحات: واحدة حمراء، وواحدة خضراء، وأخرى صفراء. ولقد جذب انتباهها كيف رسمت واهتممت بالتفاصيل، ومنذ تلك اللحظة أدركَت المعلمة أنني موهوبة بحق، فأصبَحت تتابع رسوماتي وتعطيني الملاحظات.
والمضحك في الأمر أنه كلما جاء موعد حصة الرسم، كان زملائي في الصف يتدافعون من أجل أن أرسم لهم، وكانت دفاتر الرسم تتكدس فوق مقعدي، وكنت أرسم لهم دون مقابل، لأنه ما أحب، وبالمقابل كنت أحظى بدعمهم، وعبارات التعجب كلما شاهدوا رسوماتي. الأمر الذي زادني فخرًا واعتزازًا بموهبتي الناشئة.

التعلم الذاتي في غياب المعاهد
لم أدخل معهد رسم قط، ليس لأنني لا أحب الدراسة، بل لأنه لم توجد معاهد لرسم الأنمي والمانجا في سوريا. الأمر الذي دفعني للبحث والدراسة عبر الإنترنت. ففي تلك الفترة، 2009، لم تتواجد أي مصادر أو مواقع عربية تعلم الرسم، فاضطررت أن أبحث في المصادر الأجنبية، وعلمت نفسي بنفسي، ليس أنا فقط، بل مع إخوتي. فكنا نحضر دفاتر الرسم والقلم، ونتابع مع المواقع خطوة بخطوة.
صحيح أن الأمر كان صعباً، إذ أن المواقع المجانية لم تتح فرصة التعلم المجاني بشكل تام، بالإضافة إلى أنه كان عليّ البحث من جديد في حال أردت أن أتعلم كيف أرسم جزءاً من جسم الإنسان بشكل منفصل. فكانت العملية صعبة ومرهقة، وكنت أحياناً أتوقف من شدة الملل. فكان لزاماً علي إنشاء موقعي سمر ارت هذا لاحقاً، كي لا يعاني الرسامون الآخرون ما عانيته.

أول خطوة في عالم الأنميشن
والآن نأتي لفقرة التحريك أو “الأنميشين”. فكما تعلمون، جيلنا جيل التسعينات، تربى على قناة سبيستون، وكنت مولعة بها بشكل كبير، وخاصة شخصيات الأنمي التي لطالما أذهلتني بعيونها الجميلة، وشعرها الجذاب. وكنت أتساءل: “يا ترى، كيف يتم تحريك هذه الشخصيات؟ هل يمكن لشخص واحد فعل ذلك؟ أم أن الأمر يحتاج إلى فريق؟”
وكان هذا السؤال يتردد في ذهني عندما أشاهد الأنميات التي كانت تُعرض على القناة. وقد عقدت العزم على أن أبحث عن أي برنامج أجده على الإنترنت يجعلني أحرّك. وأذكر حينها أنني كتبت “animation program”، وضغطت على أول صفحة ظهرت أمامي. والمفارقة أنها كانت لبرنامج “تون بوم” الذي ما زلت أعمل عليه حتى اليوم. المهم، بدأت فعلاً في تحميله.
أطلق العنان للإبداع نصائح دخول مجال صناعة الانمي
كما تعلمون في سوريا، الإنترنت بطيء للغاية، فتحميل البرنامج أخذ مني سبع ساعات! نعم، كما سمعتم، سبع ساعات. فقد كنت ألعب مع إخوتي وأعود بين الفينة والأخرى لأتفقد التحميل، لأجد أنه ما يزال يحمل، ثم أعود أدراجي. وبعد مرور الوقت وانتهاء التحميل، أُفاجأ بأن الكهرباء انقطعت. يا لحظي!
لا تتخيلون الرعب الذي شعرت به. فبعد طول انتظار، ذهب التحميل أدراج الرياح. ولكم شعرت بالإحباط حينذاك. وبعد أن عادت الكهرباء، كنت مستعدة أن أعيد التحميل من جديد، ولكن يا للعجب، البرنامج ما زال موجوداً! الحمد لله! وبسرعة البرق بدأت بتنصيبه واستكشافه.

أول تجربة تحريك
أول ما حركته على الحاسوب كان كرة، أو ما كنت أعتقد أنه كرة. أعني أنني رسمت مجرد دائرة في أول “فريم” أو إطار، ورسمتها أبعد قليلًا في الإطار التالي، ثم أبعد وهكذا حتى انتهيت. وعندما ضغطت زر التشغيل، يا للعجب! لقد تحركت بالفعل من اليسار لليمين! لم أصدق ما رأيته.
لقد حركت أول مشهد لي للتو. يا لها من لحظة تاريخية. التحريك الذي لطالما تساءلت عنه بدا أسهل مما توقعت. شخص واحد يمكنه فعل ذلك. ومنذ تلك اللحظة، قررت دخول – بل واقتحام – عالم الأنميشين من أوسع أبوابه، ولن يوقفني أحد!
متجري الإلكتروني فيه كل ما تحتاجونه كرسامين
ليس أنا فقط، فقد زاحمني إخوتي في هذا المجال كذلك. فكنا نتناوب على استخدام الحاسوب لنحرك أعمالنا. فكل منا صنع مشروعه الخاص، وبدأ يحركه. وكلما انتهى أحدنا، جاء الآخر ليستلم عمله. كان الأمر ممتعًا. شعرت أننا أنشأنا استوديو منزلي دون أن ندرك. ولكن يا للأسف، ضاعت معظم تلك الأعمال في جلبة الأحداث. تعلمون ما أقصد في سوريا. ولكن تمكنا من إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكنت قد نشرته في قناتي.

الانتقال للاحتراف والإنتاج السنوي
الالتزام الفعلي بدأ عام 2016، عندما قررت أن أنتج فلم إنمي واحدًا في السنة. ففي الماضي، كنت أنتج أعمالًا ثم أتوقف، إما بسبب الملل أو الإنشغال، أو بسبب انقطاع حبل الأفكار. لكن ليس بعد الآن. طالما أن لدي الموهبة والأدوات المناسبة، لم لا؟
والفلم الذي أصدرته ذلك العام كان بعنوان “كاماريا” من هــنــا، وهو أول فلم كامل لي، وحصد نسبة كبيرة من التفاعل في قناتي. الأمر الذي دفعني لأكمل مشواري في عالم التحريك، ولغاية اليوم ما زلت أعمل على مشاريع متعددة ، و أشاركها في المدونة سمر ارت.
الجدير بالذكر أن أفلامي الأولى كانت بتحريك “فريم باي فريم” أي الأسلوب التقليدي، إذ أنه كان يأخذ الكثير من الوقت والجهد مني. وكان هذا أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى تأخري في إنجاز الأعمال، لأن التحريك التقليدي يستهلك الوقت.
حتى عام 2023، قررت أن أتخذ أهم خطوة، ألا وهي التحريك بالعظام، أو ما يعرف بالـ”ريغ” أو حتى “كت أوت”. ومن هنا زاد معدل إنتاجي بشكل كبير. ففي سنة واحدة فقط، تمكنت من إنتاج مسلسل “ألحريق”، ومتفرقات “نوادر القصص”، وفلم “بائعة الزهور”، بالإضافة إلى أقصوصات قصيرة، وهو ما لم أكن لأتمكن من إنجازه لو بقيت على التحريك التقليدي. ومن هنا، تركت الـ”فريم باي فريم” ورائي حتى اللحظة.

الفخر والرسالة
في الختام، لا يسعني سوى أن أقول إنني أشعر بالفخر لما وصلت إليه اليوم ، وخصوصاُ فيما يتعلق بمدونتي سمر ارت، فهي نتيجة ساعات من العمل المضني، والتعب، والشقاء، وكذلك الإيمان. ولن أنكر تعليقات ورسائل المتابعين على مر السنين، التي كانت الدافع الأقوى حتى أستمر لغاية اليوم مع مدونتي سمر ارت.
وددت من خلال هذه المقالة أن آخذكم معي في رحلتي الفنية المتواضعة، كيف كنت، وكيف صرت أملك مدونتي سمر ارت، وأنه عليكم المثابرة مثلبي. لا تدعوا أي شيء يقف أمام موهبتكم، لأن الجميع قد يتركونك يوماً، لكن موهبتك ستكون السلاح الذي تواجه به مستقبلك، والذي سيفتح لكم آفاقاً لم تكونوا تتوقعونها.
إلى هنا أترككم، على أمل أن ألتقي بكم في مقالة أخرى تخصني عبر مدونتي سمر ارت هنا، لذلك كونوا على مقربة.
اترك تعليقاً