هذه هي المرّة الثّانية هذا العام الذّي أتمّ فيه صناعة فلمي الخاص جديد من بدايته وحتى نهايته. لم أكن معتادة على إنتاج فلمين في سنة واحدة، لأن صنع فلم انمي يتطلّب وقتًا وجهدًا هائلين، ولكن بعد أن شاهدت تفاعل المتابعين الكبير مع فلم الشرطة، قررت أن أكرر التجرِبة. اليوم، أريد أن آخذكم في جولة حول كيف تمكّنت من صنع فلم انمي جديد بالكامل، بخبرتي المتواضعة، وبأبسط الأدوات، وبأسلوبي الخاص.

الفكّرة
هذه المرة، كانت البداية بفكرة عمل قديم من عام 2019، لكنني قررت أن أعيد إنتاجه، وأضف له تفاصيل جديدة، وأطوّر من الرسم والتحريك فيه. فكما تعرفون، كلّما تمرّ بنا السنوات، نتعلّم ونكتسب مهارات جديدة، ونعرف كيف نحسّن من أعمالنا. لذلك لا تترددوا أبدًا أن تعيدوا صنع فلم انمي قديم خاص بكم، وتقدموه بشكل أقوى بعد تطوير مهاراتكم.
القصّة تخللّتها تفاصيل جديدة، بالإضافة إلى أننّي غيّرت ما كان موجوداً بالانمي القديم

السّكتش
بالنّسبة لي، لا يمكن صنع فلم انمي دون السكتشات. رسم مسودة لجميع لقطات الانمي بات أمراً ضرورياً، ولا أستغني عنه مطلقاً. أرسم السكتش وأرتب اللقطات وأرقّمها وأدرج كل شيء في جدول دقيق، بداية من أرقام اللقطات وحتى الحوارات والانفعالات، وهذا التنسيق يسهل كل شيء لاحقاً.
فكما تلاحظون هنا، فرقم اللّقطة محددّ باللّون الأحمر ، و أيضاً رقم الاسكتش يكون نفس الرّقم ، و رقم الخلفيّة و الدّبلجة كذلك تحمل نفس الرّقم ، و هذا التّنسيق سهّل عليَ العمل بشكل كبير، و ساعدني في ترتيب أموري.

هذه الصّورة أعلاه ، هي لملف شخصيّة بطل القصّة، و التي أرسلتها للّمدبلِج ، و بما أننّا نقوم بالدّبلجة قبل التّحريك، فقد أرسلت له السّتوري بورد، مع شرح للّقطة ، و حددّت حوار شخصيّته باللّون الأصفر، و حددّت الانطباعات مثل الفرحة أو الغضب و غيره باللّون الأحمر، و هذا ساعد المدبلجين، خاصّة أنّهم لا يشاهدون الفيديو جاهز، و هذا الجدول ساعدهم من أجل تخيّل المشاهدي أثناء الدّبلجة
جدولة القصّة الخاصّة بكم ، عمليّ جداً و سوف يسهل عليكم الأمر

الخلفيّات انمي من صنعي
من أصعب مراحل صنع فلم انمي الخلفيات، وكنت دائمًا أجد صعوبة في رسم مناظر طبيعية معقدة، لذا استعنت هذه المرة بالذكاء الاصطناعي. رسمت بسرعة الفكرة العامة، ثم طلبت من الذكاء الاصطناعي تحسينها، واستخدمت منها ما يناسبني. صحيح أن البعض لا يرى هذا “رسمًا”، لكنني أرى أنه نوع من التعاون، خاصة أني لم أنسخ خلفية جاهزة، بل أضفت بصمتي قبل كل شيء.
أولاً كنت ارسم بشكل سريع الخلفية ببّرنامج الرّسم ، و من ثم أضيفها لمواقع الذّكاء الاصطناعي المتوفرة على الانترنت ، و من ثم تظهر لي عدّة خيارات أختار من ضمنها أقرب واحدة لرسمتي.
قد يقول قائل أنّ هذا ليس رسمي أو أنّه ليس عادلاً استخدام الآلة في أعمالنا، و أقول في هذا الصّددّ ، أنّه لطالما المواقع و البرامج توفر علينا الوقت ، فلمَ لا ؟ أعني لا أرى ضرورة في أن نقضي أسابيعاً أو شهوراً من أجل رسم الخلفيّات بدقة ، بينما يستطيع الذّكاء فعل ذلك في ثوانٍ.

و السّببّ الثّاني هو ، أننّي لم أحضر خلفيّة جاهزة من الانترنت و أضعها في الانمي، بل أضفت لمستي و رسمت الصّورة قبل تحسينها، وهنا يمكن القول أننّي فعلاً رسمت ، ولكن بمساعدة الآلة، وهذا ليس خاطئاً في نظري، و لا ننسى أننّي استخدمته لمشاهد المناظر الطّبيعيّة فقط، بينما الخلفيّات الخاصّة بالقصر و القلعّة كانت من تصميمي الكلّي
الاستعانة بخلفيّة جاهزة من جوجل سيُظهر الفارق بين رسمك و الخلفيّة ، ولن تبدو واقعيّة أبداً
ارسموا بشكل سريع و بكميّة تفاصيل قليلة و الذّكاء الاصطناعي سيحسّنها كثيراً

التّحريك
لكي نتمكن من صنع فلم انمي ناجح، التحريك يلعب الدور الأهم. وقد استخدمت أسلوب “كت أوت” المعروف، رسمت كل جزء من الشخصية في طبقة منفصلة، وركّبت العظام للتحريك. ثم قمت بتدوير وتحريك الشخصية بسهولة. رسمت الشخصيات من عدة زوايا (أمام، جانب، خلف) لتوفير الوقت لاحقاً، بدلاً من إعادة رسم كل لقطة من جديد.

فكما ترون في الأعلى ، هذا هو صديق الأمير، و في اليمين ترونه و هو متواجد في المكتبة ، و أضفته للّمشهد ، و وضعت الخلفيّة و صوت المدبلج ، و بدأت في تحريكه مباشرة، و لم أحتج أن ارسمه من البداية، وهذا وفّر عليَّ الكثير من الوقت ، وصرت أنهي تحريك لقطات كثيرة في يوم واحد.
ارسموا الشّخصيّات من ثلاث مساقط على الأقل ، مثل الأمام و الجانب و الخلف، في حال لم ترغبوا أن ترسموها من كافّة الجهات

قبل و بعد
هذه الصور توضّح الفرق بين البداية والنهاية في صنع فلم انمي. على اليمين ترون السكتش المرقّم والبسيط، مع الحوار والانفعالات، وعلى اليسار النتيجة النهائية بعد التلوين والتحبير والتحريك. هذا يوضح كيف أن التخطيط الجيد يختصر الكثير من الجهد في المراحل التالية.
أمّا في اليسار تشاهدون النّتيجة النّهائية من رسم تحبير و تلوين، و من ثم تحريك الشّخص المراد حسب السّيناريو ، مع الخلفيّة التي تظهر في المشهد ، في مرحلة المونتاج ، أضفت صوت المدبلجين و التّأثيرات الصّوتيّة ، و هكذا سوف يكتمل معنا المشهد .

هنا تلاحظون حوار “الأمير” ، وقد فعلت ذلك من أجل أن يتمكّن المدبلج من معرفة جملته ، من بين النّصوص الموجودة في الملف، و باللّون الأحمر الانطباعات المطّلوبة هنا ، أكانت بنبرة خوف أو فرح …

أحياناً أثناء مرحلة التّحريك ، لا ألتزم بما كتبته بالسّتوري بورد ، إن دعت الحاجة فقط أغيّر ما أريده

الدّبلجة
في هذا الانميشين، قمت بخطوة جديدة، ففي كل مرّة أحاول صنع فلم انمي، أكتشف شيئًا جديدًا يسهل العمل لاحقًا، ألا وهو الدبلجة قبل التحريك، وهو أمر لم أقم به في أيّ فلم من قبل، فقد كنت أحرّك و أنهي جميع المشاهد، و من ثم أرسلها للّمدبلجين، ولكن كانت تكمن الصّعوبة بالنّسبة للّمحرك و المدبلج ، هي مطابقة الشفاه ، أو ما يُعرف “بالليبسينع” ، وهي أن يقوم المدبلج بالحديث عندما تبدأ الشّخصيّة بالكلام ، و التّوقف في نفس الوقت ، وهنا كانت تكمن المشكلة معي، فأحياناً العبارة تكون أطول أو أقصر من حركة شفاه الشّخصيّة ، ولذلك قد يضطر المدبلج إلى أن يحذف بعض الكلمات ، وأحياناً في بعض المشاهد لا يكون اللّيبسينغ متوافقاً مع حركة الكلام.
لذلك وجدت حلاً سيسهّل الأمر لكِلا الطّرفين ، ألا وهو أن ارسل السّتوري بورد، حيث أنّه سوف يشاهد الشّخصيّة مرسومة بتفاصيل قليلة ، و قربها وصف المشهد ، و الحوار المحددّ بالأصفر ، للّمدبلج المناسب ، صحيح أنّه سيدبلج دون مشاهدة الفيديو أمام عينيّه ، ولكننّي كمحركة ، سوف أتمكّن لاحقاً من مطابقة حركة الشّفاه بنفسي، حيث ارسم البطل مثلاً و هو يتحدث كما يتحدث المدبلِج ، و حين ينتهي المدبلِج من الكلام ، ارسم فم البطل و هو مغلق ، و هكذا سوف يكون اللّيبسينغ صحيحاً بشكل مثاليّ.

أغلب المدبلجين كانوا مبدعين بحق ، و تفهّموا أنَهم سوف يسجلون دون فيديو، صحيح أن البعض وجد الأمر جديداً، لكنّهم تمكّنوا من الأداء و كأنهم يشاهدون الانمي يتحّرك
هل تعرفون لماذا قد لا نألف الدّبلجة من صورة دون الفيديو؟
- لأننّا معتادون أن نأّخذ الانمي اليابانيّ و الكرتون الأمريكيّ و ندبّلجه و نحن نشاهد الفيديو، وهذا ما عهدناه طيلة سنوات.
- و السّببّ الآخر ، هو أننّا لا نملك صناعة رسوم متحركة ، فأغلب ما يتمّ دبلجته باللّغة العربيّة هو أجنبيّ الصّنع .
- في الخارج عادة تتّم عمليّة الدّبلجة قبل الأنميشن، وهم معتادون أن يدبلجوا قبل الأنميشن ، من أجل مطابقة حركة الشّفاه التي تكون مضبوطة دوماً.

المونتاج
مرحلة المونتاج كانت مليئة بالتحديات. في كل مرة نقرر صنع فلم انمي بأنفسنا، نظن أن المونتاج سيكون بسيطًا، لكنه غالبًا يأخذ وقتًا وجهدًا أكثر مما نتوقع. أضفت الأصوات، والتأثيرات، والخلفيات المتحركة مثل النهر والغيوم، كل شيء بتفصيل، وقد سهل عليّ الأمر أني أعددت الملفات الصوتية سابقاً.
و لقد أضفت في مرحلة المونتاج ، بعض الخلفيّات المتحركة مع المشهد ، مثل الغيوم المتحركة أو النّهر ، و الشّيء الذّي سهّل عليّ الـ”منتجة” هو أننّي كنت قد أضفت دبلجة كل شخصّية أثناء مرحلة التّحريك ، فلم أحتَج أن أضيفها لكل لقطة في مرحلة المونتاج.

البرامج
- وورد: لكتابة وجدولة النصوص
- تون بوم هارموني: لتحريك الشخصيات
- أفتر إفكت: للمؤثرات البصرية وتحريك الخلفيات
- كليب ستوديو باينت: لرسم الخلفيات والسكتشات
- أوداستي: لتحرير الصوت
- فلمورا: لتحرير الفيديو النهائي
شاهدوا الفلم كاملاً من هنا : https://youtu.be/fjM3J8JpT5k
إذا كنت تفكر بجدية في صنع فلم انمي بنفسك من البداية وحتى النهاية، فأنا أنصحك بشدة أن تبدأ بخطوة الدبلجة أولاً قبل أي شيء آخر. قد يبدو هذا الأمر غريبًا أو غير تقليدي في البداية، خاصة إذا لم تكن معتادًا على عملية إنتاج الأنمي، لكن هذه الطريقة ستمنحك نتائج أكثر دقة وتفصيلًا في تحريك الشفاه وتوزيع الحركات بشكل متقن ومتناسق مع الصوت. بهذه الطريقة، ستتمكن من خلق تجربة مشاهدة أكثر واقعية وممتعة للجمهور.