لا شك أن المانجا باتت إحدى وسائل التّرفيه المحببة لدى الكثيرين، وبات عدد لا بأس به من الموهوبين العرب يصنعون مانجاتهم الخاصّة، في ظل انتشار منصات التواصل التي فتحت المجال لنشر القصص المصورة بسهولة. ورغم الحماسة التي تدفع الكثيرين للبداية، إلا أن التحديات كثيرة، من صعوبة الرسم والاستمرارية، إلى غياب الدعم المادي والمعنوي، ما يجعل مشروع صناعة المانجا العربية بحاجة لجهد جماعي حتى ينهض ويصل لجمهوره الحقيقي.
الحماسة من أجل صناعة المانجا العربية و جعلها تشابه النّمط الياباني
و كلنا ندرك أن المانجا في الأصل تأسست في اليابان، ومنها انتشرت في أصقاع المعمورة، وما يصل إلينا غالبًا يكون مترجمًا، بل ومقرصنًا في أغلب الأحيان. ومع اتساع جمهور عشاق المانجا، أصبح الكثيرون يصنعون مانجاتهم الخاصة، ويدفعهم الحماس وحبّ الفن لذلك، لا سيما أن هناك جمهورًا عريضًا يبحث بلهفة عن المانجات العربية بشكلٍ كامل.
لكن المشكلة تكمن هنا، في أن كثيرين تأخذهم الحماسة في بادئ الأمر، ويدخلون هذا المعترك بغية الانتشار والشهرة، بدلاً من تقديم قصة مميزة للجمهور. لذلك، يلجأ السواد الأعظم من المانجاكا العرب إلى قصص الشّونين المشابهة لدراغون بول أو ناروتو وما شابه، ويحلمون بصعود سلم النجاح بهذا الأسلوب، ظنًا منهم أنهم سيكررون النمط الياباني في الشهرة والانتشار، وهذا هو أكبر خطأ يقع فيه الأغلبية من المانجاكا الجدد.
خاصة أن أغلبهم لا يمتلك أيّة خبرة مسبقة في القصص المصورة أو صناعة المانجا العربية، ناهيك عن التأليف. فبدلاً من الصعود درجة درجة، يبدأون بقصة تحتاج إلى الكثير من الجهد، سواء على صعيد السيناريو أو الرسم.

حبكة مميزة ورسم ضعيف
قرأت الكثير من القصص المصورة العربية، ولفت نظري مرارًا القصة القوية المحبوكة بإتقان، ولكن بمستوى رسم متدنٍ لا يليق بالقصة، مما يدفعني للإحباط والتوقف عن متابعة القراءة.
لا شك أن الحبكة الروائية أهم بكثير من نوعية الرسم، لكن الرسم الضعيف يظلم القصة ويضعف مكانتها. لذا، من الضروري على كل مانجاكا أن يسعى جاهدًا لإيجاد رسام، حتى لو بقدرات متواضعة، من أجل أن ترى قصته النور.
الصعوبة هنا، تكمن في دقة رسم المشاهد. فالقارئ ينتظر أن يرى الشخصية مرارًا وتكرارًا ضمن الفصل الواحد، ناهيك عن الخلفيات والتفاصيل الأخرى. هذا يتطلب وقتًا وجهدًا ليس بالقليل. ويبقى السؤال: هل هناك فعلاً نقص في عدد الرسامين العرب؟ وإن وجدوا، فغالبًا ما يتوقف الكثير منهم عن رسم الشابترات بعد فترة قصيرة، أو يطلبون مقابلًا ماديًا لا يستطيع المؤلف توفيره، كون الأغلبية من الهواة، ولا يملكون أي دعم حقيقي.
ورغم كل ذلك، هناك بعض المانجاكا العرب الذين أظهروا مستوى رسم ممتاز، ورأيت منهم اثنين أو ثلاثة فقط حتى الآن، ولكنهم توقفوا أيضًا لفترات طويلة عن النشر و هذا ما تواجهه صناعة المانجا العربية.

التّوقف في منتصف الطّريق
هل سبق لك أن قرأت مانجا يابانية وصلت للفصل المئتين؟ بالتأكيد، وستجدها مستمرة ومنتظمة، لأن صناعة المانجا تحظى بدعم كامل في اليابان، بعكس ما نراه في صناعة المانجا العربية، حيث تتوقف معظم الأعمال بعد فصل أو فصلين.
وهذا التوقف في صناعة المانجا العربية لا يعود بالضرورة لانعدام الشغف، بل أحيانًا يشعر المانجاكا بالملل، أو يتفاجأ بضعف التفاعل من الجمهور، فيتوقف عن النشر، أو يتشتت بسبب مشاغل الحياة. بعضهم يتوقع النجاح السريع، وحين لا يحصل عليه، ينسحب بكل بساطة. ومع ذلك، هناك قلّة قليلة تأخذ الأمر بجدية، وتواصل نشر فصولها رغم الصعوبات، لكن عددهم لا يتجاوز أصابع اليد.

عدم وجود مدخول كافٍ
لا توجد سوى جهة رسمية واحدة تنشر المانجا العربية بشكل قانوني وهي “مانجا العربية”، وتنشر أيضًا فصولًا من مانجات يابانية. عند اطلاعي عليها شعرت بالأمل، وكأن الحلم بدأ يتحقق، خصوصًا عندما رأيت أن هناك فصولًا عربية تنشر بشكل دوريّ واحترافي.
لكن هذا يخص الجهات الرسمية فقط، أما المانجاكا العرب المستقلون، فهم لا يتلقون أي أرباح مادية مقابل مجهودهم، بل ينشرون مجانًا عبر الإنترنت، دون أي مقابل، وهذا سبب كافٍ ليجعل الكثيرين يترددون في دخول هذا المجال. تخيل أن تقضي شهورًا في تأليف ورسم وتنسيق شابتر واحد، ثم تنشره دون أن تتلقى حتى دعمًا بسيطًا من المتابعين.
للأسف، لا يمكننا حاليًا أن ندخل مكتبة عربية ونجد رفوفًا مليئة بـ المانجا العربية. هذا الحلم لا يزال بعيدًا، لكن الأمل قائم أمام صناعة المانجا العربية، ما دامت هناك مواهب تصر على المحاولة، وتصر على صنع قصصها الخاصة.

صناعة المانجا العربية ليست سهلة، خاصة في العالم العربي، حيث لا توجد بنية تحتية لدعمها. ومع ذلك، كل مانجاكا يقرر خوض هذه التجربة يستحق التقدير، لأنه يقدم شيئًا جديدًا رغم كل العقبات. إن أردنا لمجال المانجا العربية أن يزدهر، علينا أن ندعمه بكل الطرق الممكنة، سواء بالقراءة أو التفاعل أو المساهمة. فربما يصبح هذا الحلم حقيقة أسرع مما نتخيل.
اترك تعليقاً